My Blog List

Sunday, January 24, 2016

البدعة أنواعها و أحكامها





اقتباسات من الكتاب :(( البدعة و أثرها في الدراية و الرواية


د. عائض بن عبد الله القرني


الفصل الأول 
 
 
في تعريف البدعة و نشأتها
و ذكر دواعي البدع




معنى البدعة في اللغة

قال ابن دريد في باب ((بدع)) 1

و قول العرب :لست ببدع في مذا و كذا ، أي لست بأول من أصابه هذا و هو من قول الله عز و جل :{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُل} [الأحقاف ٩]ِ
.كل ما أحدث شيئا ،فقد ابتدعه، و الاسم :البدعة و الجمع :البدع
...اه
و في كتاب ((معجم مقاييس اللغة )) 2

(
بدع) الباء و الدال و العين :أصلان ،أحدهما :ابتداء الشيء ،و صنعه،لا عن مثال سابق . الآخر الانقطاع و الكلال

فالأول : قولهم أبدعت الشيء قولا أو فعلا ،إذا ابتدأته،لا عن مثال سابق، مثال: الله بديع السموات و الأرض
و قال ابن منظور: بدع: بدع الشيء ببدعه بدعا وابتدعه أنشأه ،و بدأه
 
البديع و البدع: الشيء يكون أولا و في التنزيل :{ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف :٩]

أي ما كنت أول من أرسل قد أرسل قبلي رسل كثير

قال : و البدعة الحدث و ما ابتدع من الدين بعد الإكمال

قال ابن السكيت : البدعة :كل محدثة

المبتدع الذي يأتي أمرا على شبه، لم يكن ابتدأه إياه
أبدع ، و ابتدع ، و تبدع : أتى ببدعة
قال تعالى : {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد ٢٧]

و في (( تاج العروس)) 3

بدع و البدعة بالكسر : الحدث في الدين بعد الإكمال ، و منه الحديث ((إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل ضلالة في النار )) 4

أو هي ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه و سلم من الأهواء و الأعمال ، و من المشتقات التي أوردها تدور في الغالب على معنى الا بداء فمثلا : قال : ((المبتدع)) يقال: جئت بأمر بديع،أي محدث عجيب ،لم يعرف قبل ذلك

و البديع :هو من أسماء الحسنى ، لإبداعه الأشياء ،و إحداثه إياها ((وأبدع)) و ((أبدأ)) بمعنى واحد اه

و قال الفيروز أبادي : 5

((
البدع)) بالكسر: الأمر الذي يكون أولا
و البدعة بالكسر : الحدث في الدين بعد الإكمال ، أو ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه و سلم من الأهواء و الأعمال

و قال الرازي تحت باب (ب د ع ): (ب د ع ) : أبدع الشيء : اخترعه لا على مثال سابق ، و الله بديع السموات و الأرض أي مبدعها
قال تعالى : {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ } [البقرة : ١١٧]
و البدعة : الحدث في الدين بعد الإكمال 6


البدعة في الاصطلاح


قال ابن منظور : الحدث ، و ما ابتدع من الدين بعد الإكمال
و نقل عن ابن السكيت : البدعة:كل محدثة 7

و قال صاحب (( القاموس )) الحدث في الدين بعد الإكمال ، أو ما استحدث بعد النبي صلى الله علي و سلم من الأهواء. [ 8

و عرفها ابن رجب فقال : المراد بالبدعة : ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه ، و أما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه ،فليس ببدعة شرعا ،و إن كان بدعة لغة. [9


وقال ابن حجر عن البدعة : هو كل شيء ليس له مثال تقدم فيشمل لغة : ما يحمد و يذم ، و يختص في عرف الشرع بما يذم و إن وردت في المحمود فعلى معناها اللغوي . [10

و قال ابن الأثير : البدعة بدعتان : بدعة هدى ، و بدعة ضلال ، فما كان في خلاف ما أمر به الله و رسوله صلى الله عليه و سلم فهو في حيز الذم و الإنكار ، و ما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله اليه ،و حض عليه الله و رسوله ، فهو في حيز المدح .11


و يعرفها الشاطبي فيقول : البدعة : طريقة في الدين المخترعة تضاهي الشريعة ، يقصد بالسلوك عليها ، ما يقصد بالطريقة الشريعة [ 12


و قد عرفها الشافعي بقوله : ((البدعة بدعتان : بدعة مذمومة ، و بدعة محمودة ، فما وافق السنة فهو محمود ،و ما خالف السنة فهو مذموم. [ 13
:و يزيد في تعريفها وضوحا ، فيقول المحدثات من الأمور ضربان
أحدهما : ما أحدث يخالف كتابا ، أو سنة ،أو إجماعا ،أو أثرا ، فهذه : البدعة ،و الضلال

و الثاني : ما أحدث من خير ، لا خلاف فيه لواحد من هذا فهي محدثة غير مذمومة .[14

و يفصل ابن تيمية القول في تعريف البدعة ، فيقول : البدعة في الدين : هي ما لم يشرعه الله و رسوله ، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ،و لا استحباب

فأما ما أمر به أمر إيجاب ، أو استحباب ،و علم الأمر به بالأدلة الشريعة ،فهو من الدين الذي شرعه الله ، و إن تنازع أولوا الأمر في بعض ذلك ، سواء كان هذا مفعولا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم أو لم يكن . [15


:المصادر و المراجع


1).
((جمهرة اللغة ))،مكتبة المثنى – بغداد
2).
و الكتاب لأبي حسين بن فارس بن زكريا الطبعة الثانية مطبعة مصطفى الحلبي
3).
الطبعة الأولى. المطبعة الخيرية بمصر السنة ١٣٠٦
4).
صحيح أخرجه الإمام أحمد، و الدارمي ، و أبو داود و ابن ماجه و ابن حبان كما في ((الإحسان )) .و ابن أبي عاصم في ((السنة)) ، و الحاكم
كلهم من حديث عبد الرحمن بن عمرو السهمي ،و حجر بن حجر الكلاعي ،عن العرباض بن السارية به
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح
و قال الحاكم : هذا حديث صحيح ليس له علة ، و أقره الذهبي
و قال أبو نعيم في (( الضعفاء )) :هو حديث جيد من حديث الشاميين
5).
كتاب (( القاموس المحيط )) طبعة مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية
6).
مختار الصحاح طبعة مؤسسة الرسالة بيروت عام ١٣٠٥
7).
لسان العرب
8).
القاموس المحيط
9).
جامع العلوم و الحكم رئاسة إدارة
البحوث
10).
فتح الباري ١٣/٢٥٣،ط. دار الفكر
11).
النهاية المكتبة الإسلامية
12).
الاعتصام


13).
فتح الباري
14).
فتح الباري


15).
مجموع الفتاوى


البدعة و أثرها في الدراية و الرواية

لفضيلة الشيخ الدكتور عائض بن عبد الله القرني




فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية







ما هي البدعة الحسنة



اطلعنا على البريد الوارد بتاريخ: 21/ 11/ 2011م المقيد برقم 508
  لسنة 2011م المتضمن: ما البدعة الحسنة؟ وهل هناك بدعة


حسنة في الدين؟


الـجـــواب : أمانة الفتوى


 
لمعرفة معنى البدعة ومفهومها الصحيح لا بد أن نتعرف على معناها في اللغة، وكذلك معناها في الاصطلاح الشرعي، ونبدأ بالمعنى اللغوي


فالبدعة في اللغة: هي الحَدَث وما ابْتُدِعَ من الدِّين بعد الإِكمال. قال ابن السكيت: البِدْعةُ كلُّ مُحْدَثةٍ. وأَكثر ما يستعمل المُبْتَدِعُ عُرْفًا في الذمِّ. وقال أَبو عَدْنان: المبتَدِع الذي يأْتي أَمْرًا على شَبَهٍ لم يكن ابتدأَه إِياه. وفلان بِدْعٌ في هذا الأَمر أَي أَوَّل لم يَسْبِقْه أَحد. ويقال: ما هو منِّي ببِدْعٍ وبَديعٍ... وأَبْدَعَ وابْتَدعَ وتَبَدَّع: أَتَى بِبدْعةٍ، قال الله تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾ [الحديد: 27


وبَدَّعه: نسَبه إِلى البِدْعةِ. واسْتَبْدَعَه: عدَّه بَديعًا. والبَدِيعُ: المُحْدَثُ العَجيب. والبَدِيعُ: المُبْدِعُ. وأَبدعْتُ الشيء: اخْتَرَعْتُه لا على مِثالٍ. (لسان العرب 8/ 6، مادة: بدع

 
وللعلماء في تعريف البدعة شرعًا مسلكان


المسلك الأول: وهو مسلك الإمام العز بن عبد السلام؛ حيث اعتبر أن ما لم يفعله النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بدعة، وقسَّمها إلى أحكام، حيث قال في قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 204، ط. مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة)
"البدعة فِعْلُ مَا لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله 

وسلم

وهي منقسمة إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة: فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة" اهـ


وأكد الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني هذا المعنى؛ حيث قال في فتح الباري (2/ 394، ط. دار المعرفة، بيروت): "وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعةً، لكن منها ما يكون حسنًا، ومنها ما يكون بخلاف ذلك" اهـ
 
 
والمسلك الثاني: جعل مفهوم البدعة في الشرع أخص منه في 

اللغة، فجعل البدعة هي المذمومة فقط، ولم يسم البدع الواجبة والمندوبة والمباحة والمكروهة بدعًا كما فعل الإمام العز بن عبد السلام، وإنما اقتصر مفهوم البدعة عنده على المحرَّمة، وعلى ذلك جماهيرُ الفقهاء، وممن ذهب إلى ذلك الإمامُ ابن رجب الحنبلي، ويوضح هذا المعنى فيقول في جامع العلوم والحكم (2/ 781، ط. دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع): "المراد بالبدعة ما أُحْدِثَ ممَّا لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، فأمَّا ما كان له أصلٌ مِنَ الشَّرع يدلُّ عليه، فليس ببدعةٍ شرعًا، وإنْ كان بدعةً لغةً" اهـ


وفي الحقيقة فإن المسلكين اتفقا على حقيقة مفهوم البدعة المذمومة شرعًا، وإنما الاختلاف في المدخل للوصول إلى هذا المفهوم المتفق عليه، وهو أن البدعة المذمومة التي يأثم فاعلها شرعًا هي التي ليس لها أصلٌ في الشريعة يدل عليها، وهي المرادة من قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما أخرجه مسلمٌ في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ

وكان على هذا الفهم الواضح الصريح أئمة الفقهاء وعلماء الأمة المتبوعون، فقد روى أبو نعيم في الحلية (9/ 

113)

والبيهقي في مناقب الشافعي (1/ 468- 469) عن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- أنه قال: "المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أحدث

مما يخالف كتابًا أو سُنَّة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه بدعة الضلالة
 
والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة"

وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي -رضي الله عنه- في إحياء علوم الدين (2/ 248): "ليس كل ما أبدع منهيًّا عنه، بل المنهيُّ عنه بدعةٌ تضاد سنةً ثابتةً، وترفع أمرًا من الشرع" اهـ

 
وقد نقل الإمام النووي -رحمه الله- عن سلطان العلماء الإمام عز الدين بن عبد السلام ذلك، فقال في الأذكار (ص: 382): "قال الشيخ الإمام المجمع على جلالته وتمكُّنه من أنواع العلوم وبراعته، أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام -رحمه الله ورضي عنه- في آخر كتاب القواعد: البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة 

ومندوبة ومباحة ... إلخ" اهـ

وقال في حديثه عن المصافحة عقب الصلاة: "واعلم أن هذه المصافحة مستحبةٌ عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من 

المصافحة التي ورد الشرع بأصلها" اهـ

 
وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (1/ 106، ط. المكتبة العلمية، بيروت): "البدعة بدعتان: بدعة هدى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسولُه -صلى الله عليه وآله وسلم- فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه فهو في حيز المدح، وما لم يكن له مِثال موجود كنَوْع من الجُود والسَّخاء وفِعْل الـمعروف فهو من الأفعال المحمودة

ولا يجوز أَن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به؛ لأَن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قد جعل له في ذلك ثوابًا، فقال: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا». وقال في ضدِّه: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا»، وذلك إِذا كان في خلاف ما أَمر الله به ورسوله، ومن هذا النوع قول عمر -رضي الله عنه-: "نعمتِ البِدْعةُ هذه


لمَّا كانت من أَفعال الخير وداخلة في حيِّز المدح سَماها بدعة ومدَحَها؛ لأَنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يَسُنَّها لهم، وإِنما صلَّاها لَيالِيَ ثم تركها ولم يحافظ عليها ولا جَمَعَ الناس لها، ولا كانت في زمن أَبي بكر، وإِنما عمر -رضي الله عنه- جَمَعَ الناسَ عليها وندَبهم إِليها، فبهذا سماها بدعة، وهي على الحقيقة سنَّة؛ لقوله -صلى الله عليه وآله وسلم
«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي»، وقوله: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»، وعلـى هذا التأويل يُحمل الحديث الآخَر: «كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ». إنما يريد ما خالَف أُصولَ الشريعة، ولم يوافق السنة" اهـ


وضرب العلماء أمثلةً للبدع التي تعتريها الأحكامُ التكليفيةُ؛
فالبدعة الواجبة: كالاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك واجبٌ؛ لأنه لا بدَّ منه لحِفْظِ الشريعة، وما لا يتم الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، والبدعة المحرمة من أمثلتها: مذهب القدرية والجبرية والمرجئة والخوارج


والبدعة المندوبة: مثل إحداث المدارس، وبناء القناطر، ومنها صلاة التراويح جماعة في المسجد بإمام واحد، والبدعة المكروهة: مثل زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف، والبدعة المباحة: مثل المصافحة عقب الصلوات، ومنها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس، واستدلوا لرأيهم في تقسيم البدعة إلى الأحكام الخمسة بأدلة منها


أ- قول سيدنا عمر -رضي الله عنه- في صلاة التراويح جماعة في المسجد في رمضان: "نعمت البدعة هذه". فقد روى البخاري في صحيحه عن التابعي الجليل عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئٍ واحد لكان أمثلَ، ثم عزم فجمعهم على أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: "نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون" يريد آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله


ب- تسمية ابن عمر -رضي الله عنهما- صلاةَ الضحى جماعةً في المسجد بدعة، وهي من الأمور الحسنة. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، فسألناه عن صلاتهم، فقال: "بدعة


ومما سبق يتضح أن هناك مسلكين: مسلَكًا إجماليًّا: وهو الذي ذهب إليه الإمام ابن رجب الحنبلي وغيره، وهو أن الأفعال التي يثاب المرء عليها ويشرع له فعلها -بعد تحقيق الأصول الشرعية والأدلة المرعية عند الأصوليين- لا تسمى بدعةً شرعًا وإن صدق عليها الاسم في اللغة، وهو يقصِد أنها لا تسمى بدعةً مذمومةً شرعًا، ومسلكًا تفصيليًّا: وهو ما ذكره الإمام العز بن عبد السلام وأوردناه تفصيلًا، والقاسم المشترك بين المسلكين أنه ليس كلُّ مُحدَث في العبادات أو المعاملات منهيًّا عنه؛ بل الأمور المحدثة تعتريها الأحكامُ التكليفيةُ بحسب ما تدل عليه الأصول الشرعية، أمَّا الزعمُ بأنها محرمةٌ اتِّكاءً على تسميتها "بدعةً" عند بعض العلماء، فغيرُ سديدٍ؛ لأنه يسد باب الاجتهاد المعمول به المستقر بين العلماء، وهذا هو عين البدعة المذمومة سالتيجاء الشرع بالنهي عنها
والله أعلم



هذه الفتوى صادرة من دار الإفتاء( بالأردن 

الموضوع : هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة
رقم الفتوى : 2615
التاريخ : 06-08-2012
التصنيف : العقيدة
نوع الفتوى : من موسوعة الفقهاء السابقين




* هذه الفتوى ننشرها باسم الفقيه الذي أفتى بها في كتبه القديمة لغرض إفادة الباحثين من هذا العمل الموسوعي، ولا تعبر بالضرورة عن ما تعتمده دائرة الإفتاء

اسم المفتي : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله (المتوفى سنة 1432هـ)


:السؤال
ما هي البدعة، وهل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟


:الجواب
البدعة في اللغة: هي كل أمر جديد لم يكن موجوداً من قبل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي، ولا يجوز أن نُجمِل الحديث على المعنى اللغوي للبدعة؛ لأن الإسلام يحثنا على التجديد في أمور حياتنا مما يعيننا على جهاد الكفار، واستصلاح الأرض، والإحسان إلى عباد الله، وكل هذا أصبح محتاجاً إلى وسائل جديدة، فوجب حمل الحديث على معنى خاص، وهو الزيادة في الدين، وأحكام الدين خمسة: الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح


فمن زاد في الفرائض فقد ابتدع؛ لأن الفرض ما أمر به الشرع أمرًا جازمًا، ومن زاد في المحرمات من غير دليل فقد ابتدع؛ لأن الحرام ما نهى عنه المشرع نهياً جازماً، ومن زاد في المكروهات فقد ابتدع؛ لأن المكروه ما نهى عنه المشرع نهياً غير جازم، ومن زاد في المندوبات من غير دليل فقد ابتدع، لأن المندوب ما أمر به الشرع أمراً غير جازم


فمن وعد الناس بثواب على فعل بغير إذن من الله فقد افتات على الله وابتدع، ومن أوعد الناس بعقوبة على فعل بغير إذن من الله فقد افتات على الله وابتدع، وترتيب الثواب أو العقاب على الأفعال هو المقصود بالأمر الشرعي والنهي الشرعي، وهذا لا يكون إلا لله ويُستدَل على أمره تعالى بالأدلة الشرعية


أما المباحات فأمرها واسع؛ لأنها ما لم يأمر به المشرِّع أمراً يُثاب على امتثاله، ولم ينْهَ عنه نهياً يُعاقب على مخالفته، والمراد بالمشرِّع هو الله عز وجل، سواء عرفنا حكمه من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو بالاجتهاد؛ لأنه لا خلاف بين المسلمين في أن الذي يشرِّع الأحكام هو الله عز وجل، وإن اختلفت الطرق إلى معرفة حكمه، وكل تشريع يخالف تشريع الله فهو بدعة وضلالة في النار


نخلص من هذا إلى أن البدعة المقصودة بالحديث والمذمومة شرعاً ما كان زيادة في الدين ومخالفة لأمر الله ونهيه، أما استحداث الوسائل التي تُعين على أمر الدين فليست من باب البدعة، وإن كانت تسمى لغة بدعة، فاستخدام المكبر لرفع الصوت بالأذان ليس بدعة؛ لأن الذي يستخدمه يريد إبلاغ صوت المؤذن إلى عدد أكبر من المسلمين وهو لا يقول إن استخدامه فرض أو سنة، ولا تركه حرام أو مكروه، بل وسيلة من شاء استخدمها ومن شاء تركها، لكن لا بدّ من إبلاغ صوت المؤذن إلى المسلمين ولو بتكثير عدد المؤذنين، ومثل هذا يقال في بناء المآذن، واستخدام الوسائل الحديثة في بناء المسجد، والأسلحة الحديثة في الجهاد، والورق الحديث في طباعة الكتب الإسلامية، المسبحة لضبط عدد الأوراد، والساعة لضبط أوقات الصلاة، فهذه كلها وسائل أُريد بها الخير فصارت من باب الخير، وهذا الذي دعا بعض العلماء إلى أن يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة، بمعنى أن الأمر المستجد إذا أُريد به الخير مما لا يعارض الشرع فهو بدعة حسنة؛ وإن أريد بها الشر فهي بدعة سيئة؛ لأن ما خالف الشرع ليس فيه خير وإن بدا غير ذلك


وقد التبس على بعض الناس المعنى اللغوي بالمعنى الشرعي للبدعة فوقعوا في أمور مضحكة فحرّم بعضهم استخدام الكهرباء في المساجد، والمكبرات للأذان، والملاعق للطعام، وهذا جهل بالدين وصدّ عن سبيل الله، وتشويه للإسلام، سببه عدم العلم وقلة البصيرة، وعدم التفريق بين الوسائل والمقاصد
فتكون خلاصة القول: أن البدعة بالمعنى الشرعيّ (أي: الزيادة في الدين ومصادمة أحكام الشرع كلها ضلالة وليس فيها حسنة)


والبدعة بالمعنى اللغوي (أي: الوسائل والآلات والمخترعات والأشياء التي لم تكن من قبل) فيها الحسن وهو ما أريد به الخير مما يوافق مقاصد الشريعة وغاياتها، ومنها السيئة وهي ما خالفت الشريعة وصادمت مقاصدها. هذا ما يبدو لي في الموضوع، والله أعلم بالصواب. ومن راجع كتب أهل العلم لم يخف عليه ذلك


فتاوى الشيخ نوح علي سلمان” (فتاوى العقيدة / فتوى رقم/17)