**كلام نفيس للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله حول هذه المسألة، قال في كتاب (لا جديد في أحكام الصلاة)
وَصَلَ الصَّفَّ الأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَإِتْمَامَهُ
وَلَهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ: «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ»، «مَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ
وَبَيْنَ ذَلِكَ سُنَنٌ – وَهِيَ مِنَ السُّنَنِ الْمَهْجُورَةِ –: مِثْلَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ لِلصَّفِّ الْمُتَقَدِّمِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَنْ يَلِيهِ مَرَّتَيْنِ، وَإِتْيَانِ الْإِمَامِ إِلَى نَاحِيَةِ الصَّفِّ لِتَسْوِيَتِهِ، وَإِرْسَالِ الرِّجَالِ لِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ هَذِهِ السُّنَنِ الثَّلَاثِ لِلصَّفِّ
- اسْتِقَامَتِهِ
- وَسَدِّ خَلَلِهِ
- وَإِتْمَامِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ
وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا لِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ مِنْ شَأْنٍ عَظِيمٍ فِي إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَحُسْنِهَا وَتِمَامِهَا وَكَمَالِهَا، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْفَضْلِ وَالْأَجْرِ وَائْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَاجْتِمَاعِهَا مَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ. وَقَدْ تَمَيَّزَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْمَرْحُومَةُ، وَخُصَّتْ بِأَنَّ صُفُوفَهَا لِلصَّلَاةِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
وَمِنَ الْهَيْئَاتِ الْمُضَافَةِ مُجَدَّدًا إِلَى الْمُصَافَّةِ بِلاَ مُسْتَنَدٍ: مَا نَرَاهُ مِنْ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ: مِنْ مُلَاحَقَةِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ إِنْ كَانَ فِي يَمِينِ الصَّفِّ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ إِنْ كَانَ فِي مَيْسَرَةِ الصَّفِّ، وَلَيِّ الْعَقِبَيْنِ لِيُلْصِقَ كَعْبَيْهِ بِكَعْبَيْ جَارِهِ
وَهَذِهِ هَيْئَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْوَارِدِ، فِيهَا إِيغَالٌ فِي تَطْبِيقِ السُّنَّةِ. وَهِيَ هَيْئَةٌ مَنْقُوضَةٌ بِأَمْرَيْنِ
**الْأَوَّلُ:** أَنَّ الْمُصَافَّةَ هِيَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، فَمَنْ كَانَ عَلَى يَمِينِ الصَّفِّ فَلْيُصَافَّ عَلَى يَسَارِهِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَهَكَذَا يَتَرَاصُّونَ ذَاتَ الْيَسَارِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ عَلَى سِمْتٍ وَاحِدٍ فِي: تَقْوِيمِ الصَّفِّ، وَسَدِّ الْفُرَجِ، وَالتَّرَاصِّ وَالْمُحَاذَاةِ بِالْعُنُقِ وَالْمَنْكِبِ وَالْكَعْبِ، وَإِتْمَامِ الصَّفِّ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ
أَمَّا أَنْ يُلَاحِقَ بِقَدَمِهِ الْيُمْنَى – وَهُوَ فِي يَمِينِ الصَّفِّ – مَنْ عَلَى يَمِينِهِ، وَيَلْوِي قَدَمَهُ حَتَّى يَتِمَّ الْإِلْزَاقُ؛ فَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ، وَتَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ، وَفَهْمٌ مُسْتَحْدَثٌ فِيهِ غُلُوٌّ فِي تَطْبِيقِ السُّنَّةِ، وَتَضْيِيقٌ وَمُضَايَقَةٌ، وَاشْتِغَالٌ بِمَا لَمْ يُشْرَعْ، وَتَوْسِيعٌ لِلْفُرَجِ بَيْنَ الْمُتَصَافِّينَ، يَظْهَرُ هَذَا إِذَا هَوَى الْمَأْمُومُ لِلسُّجُودِ، وَتَشَاغُلٌ بَعْدَ الْقِيَامِ لِمَلْءِ الْفَرَاغِ، وَلَيِّ الْعَقِبِ لِلْإِلْزَاقِ، وَتَفْوِيتٌ لِتَوْجِيهِ رُءُوسِ الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَفِيهِ مُلَاحَقَةُ الْمُصَلِّي لِلْمُصَلِّي بِمَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ، وَاقْتِطَاعٌ لِمَحَلِّ قَدَمِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَكُلُّ هَذَا تَسَنُّنٌ بِمَا لَمْ يُشْرَعْ
الثَّانِي:** أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَ بِالْمُحَاذَاةِ بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَالْأَكْعُبِ، قَدْ أَمَرَ أَيْضًا بِالْمُحَاذَاةِ بَيْنَ «الْأَعْنَاقِ» كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عِنْدَ النَّسَائِيِّ (814). وَكُلُّ هَذَا يَعْنِي: الْمُصَافَّةَ، وَالْمُوَازَاةَ، وَالْمُسَامَتَةَ، وَسَدَّ الْخَلَلِ، وَلَا يَعْنِي الْعَمَلَ عَلَى «الْإِلْزَاقِ»؛ فَإِنَّ إِلْزَاقَ الْعُنُقِ بِالْعُنُقِ مُسْتَحِيلٌ، وَإِلْزَاقَ الْكَتِفِ بِالْكَتِفِ فِي كُلِّ قِيَامٍ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ، وَإِلْزَاقَ الرُّكْبَةِ بِالرُّكْبَةِ مُسْتَحِيلٌ، وَإِلْزَاقَ الْكَعْبِ بِالْكَعْبِ فِيهِ مِنَ التَّعَذُّرِ وَالتَّكَلُّفِ وَالْمُعَانَاةِ وَالتَّحَفُّزِ وَالِاشْتِغَالِ بِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَا هُوَ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ
فَتَنْبَيْنَ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ فِي الْأَرْبَعَةِ: الْعُنُقِ، الْكَتِفِ، الرُّكْبَةِ، الْكَعْبِ: مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، يُرَادُ بِهَا الْحَثُّ عَلَى إِقَامَةِ الصَّفِّ بِالْمُوَازَاةِ وَالْمُسَامَتَةِ وَالتَّرَاصِّ عَلَى سِمْتٍ وَاحِدٍ، بِلاَ عَوَجٍ وَلَا فُرَجٍ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى –: «وَالْمُرَادُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ: اعْتِدَالُ الْقَائِمِينَ فِيهَا عَلَى سِمْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ يُرَادُ بِهَا سَدُّ الْخَلَلِ الَّذِي فِي الصَّفِّ...». وَهَذَا هُوَ فِقْهُ نُصُوصِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، كَمَا فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّينَا فِي الصُّفُوفِ كَمَا يُقَوَّمُ الْقِدْحُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّ قَدْ أَخَذْنَا ذَلِكَ عَنْهُ وَفَقِهْنَاهُ، أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ بِوَجْهِهِ إِذَا رَجُلٌ مُنْتَبِذٌ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ: لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُدَ (رَقْمَ 649)
فَهَذَا فَهْمُ الصَّحَابِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فِي التَّسْوِيَةِ: الِاسْتِقَامَةُ، وَسَدُّ الْخَلَلِ، لَا الْإِلْزَاقُ وَإِلْصَاقُ الْمَنَاكِبِ وَالْكِعَابِ. وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ الْبُخَارِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى – فِي «صَحِيحِهِ»: «بَابُ إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ»، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: «وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَعْدِيلِ الصَّفِّ وَسَدِّ خَلَلِهِ». انْتَهَى. وَالدَّلِيلُ عَلَى سَلَامَةِ مَا فَهِمَهُ الْحَافِظُ مِنْ تَرْجَمَةِ الْبُخَارِيِّ – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى – أَنَّ قَوْلَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – الْمُعَلَّقَ لَدَى الْبُخَارِيِّ – رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى – وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ» بِرَقْمِ (648)، وَابْنُ خُزَيْمَةَ
AHMADTRINI
No comments:
Post a Comment