القصيدة تحكي مصير كل إنسان عند موته ودفنه حشره ووقوفه بين يد الله
ومحاسبته ومآله.. إلى الجنة ..أم إلى النار
ليسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ *** إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ
إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقُّ لِغُربَتـِهِ *** على المُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ
سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَن يُبَلِّغَنـي *** وَقُوَّتي ضَعُفَت والمـوتُ يَطلُبُنـي
وَلي بَقايــا ذُنوبٍ, لَستُ أَعلَمُها *** الله يَعلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ
مـَا أَحلَمَ اللهَ عَني حَيثُ أَمهَلَني *** وقَد تَمـادَيتُ في ذَنبي ويَستُرُنِي
تَمُرٌّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍ, *** ولا بُكاءٍ, وَلا خَـوفٍ, ولا حـَزَنِ
أَنَـا الَّذِي أُغلِقُ الأَبوابَ مُجتَهِداً *** عَلى المعاصِي وَعَينُ اللهِ تَنظُرُنـي
يَـا زَلَّةً كُتِبَت في غَفلَةٍ, ذَهَبَت *** يَـا حَسرَةً بَقِيَت في القَلبِ تُحرِقُني
دَعني أَنُوحُ عَلى نَفسي وَأَندِبُـهـا *** وَأَقطَعُ الدَّهرَ بِالتَّذكِيـرِ وَالحَزَنِ
كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحــَاً *** عَلى الفِراشِ وَأَيديهِم تُقَلِّبُنــي
وَقد أَتَوا بِطَبيبٍ, كَـي يُعالِجَنـي *** وَلَم أَرَ الطِّبَّ هـذا اليـومَ يَنفَعُني
واشَتد نَزعِي وَصَار المَوتُ يَجذِبُـها *** مِن كُلِّ عِرقٍ, بِلا رِفقٍ, ولا هَوَنِ
واستَخرَجَ الرٌّوحَ مِني في تَغَرغُرِها *** وصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرغَرَني
وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلٌّ وانصَرَفوا *** بَعدَ الإِياسِ وَجَدٌّوا في شِرَا الكَفَنِ
وَقـامَ مَن كانَ حِبَّ النّاسِ في عَجَلٍ , ** * نَحوَ المُغَسِّلِ يَأتينـي يُغَسِّلُنــي
وَقــالَ يـا قَومِ نَبغِي غاسِلاً حَذِقاً *** حُراً أَرِيباً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِنِ
فَجــاءَني رَجُلٌ مِنهُم فَجَرَّدَني *** مِنَ الثِّيــابِ وَأَعرَاني وأَفرَدَني
وَأَودَعوني عَلى الأَلواحِ مُنطَرِحـاً *** وَصـَارَ فَوقي خَرِيرُ الماءِ يَنظِفُني
وَأَسكَبَ الماءَ مِن فَوقي وَغَسَّلَني *** غُسلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَومَ بِالكَفَنِ
وَأَلبَسُوني ثِيابـاً لا كِمامَ لهـا *** وَصارَ زَادي حَنُوطِي حيـنَ حَنَّطَني
وأَخرَجوني مِنَ الدٌّنيـا فَوا أَسَفاً *** عَلى رَحِيـلٍ, بِلا زادٍ, يُبَلِّغُنـي
وَحَمَّلوني على الأكتـافِ أَربَعَةٌ *** مِنَ الرِّجـالِ وَخَلفِي مَن يُشَيِّعُني
وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا *** خَلفَ الإِمـَامِ فَصَلَّى ثـمّ وَدَّعَني
صَلَّوا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لهـا *** ولا سُجـودَ لَعَلَّ اللـهَ يَرحَمُني
وَأَنزَلوني إلـى قَبري على مَهَلٍ , *** وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي
وَكَشَّفَ الثّوبَ عَن وَجهي لِيَنظُرَني *** وَأَسكَبَ الدَّمعَ مِن عَينيهِ أَغرَقَني
فَقامَ مُحتَرِمــاً بِالعَزمِ مُشتَمِلاً *** وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِن فَوقِي وفـارَقَني
وقَالَ هُلٌّوا عليه التٌّربَ واغتَنِموا *** حُسنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ
في ظُلمَةِ القبرِ لا أُمُّ هنــاك ولا *** أَبٌ شَفـيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُنــي
فَرِيدٌ وَحِيدُ القبرِ، يــا أَسَفـاً *** عَلى الفِراقِ بِلا عَمَلٍ, يُزَوِّدُنـي
وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذ نَظَرَت *** مِن هَولِ مَطلَعِ ما قَد كان أَدهَشَني
مِن مُنكَرٍ, ونكيرٍ, مـا أَقولُ لهم *** قَد هــَالَني أَمرُهُم جِداً فَأَفزَعَني
وَأَقعَدوني وَجَدٌّوا في سُؤالِهـِمُ *** مَـالِي سِوَاكَ إِلهـي مَن يُخَلِّصُنِي
فَامنُن عَلَيَّ بِعَفوٍ, مِنك يــا أَمَلي *** فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنبِ مُرتَهــَنِ
تَقاسمَ الأهلُ مالي بعدما انصَرَفُوا *** وَصَارَ وِزرِي عَلى ظَهرِي فَأَثقَلَني
واستَبدَلَت زَوجَتي بَعلاً لهـا بَدَلي *** وَحَكَّمَتهُ فِي الأَموَالِ والسَّكَـنِ
وَصَيَّرَت وَلَدي عَبداً لِيَخدُمَهــا *** وَصَارَ مَـالي لهم حـِلاً بِلا ثَمَنِ
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدٌّنيــا وَزِينَتُها *** وانظُر إلى فِعلِهــا في الأَهلِ والوَطَنِ
وانظُر إِلى مَن حَوَى الدٌّنيا بِأَجمَعِها *** هَل رَاحَ مِنها بِغَيرِ الحَنطِ والكَفَنِ
خُذِ القَنـَاعَةَ مِن دُنيَاك وارضَ بِها *** لَو لم يَكُن لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ
يَـا زَارِعَ الخَيرِ تحصُد بَعدَهُ ثَمَراً *** يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ
يـَا نَفسُ كُفِّي عَنِ العِصيانِ واكتَسِبِي *** فِعلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني
يَا نَفسُ وَيحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً *** عَسى تُجازَينَ بَعدَ الموتِ بِالحَسَنِ
ثمَّ الصلاةُ على المُختـارِ سَيِّدِنـا *** مَا وَصَّـا البَرقَ في شَّامٍ, وفي يَمَنِ
والحمدُ لله مُمسِينَـا وَمُصبِحِنَا *** بِالخَيرِ والعَفو والإِحســانِ وَالمِنَنِ
وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
No comments:
Post a Comment