دار الإفتاء المصرية من الشيخ العلامة علي جمعة حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فتوى تمدح إخواننا في التبليغ والدعوة وترد على أهل البدع وهي صادرة من دار الإفتاء المصرية من الشيخ العلامة علي جمعة حفظه الله
يا ليت القوم يعلمون ان تكفيرهم لجل العلماء لا يثمر غير تفرقة .المسلمين
الموضوع الخروج الذي تفعله جماعة التبليغ والدعوة
التاريخ 08/05/2005
: الســــؤال
اطلعنا على الطلب المقيد برقم 1201 لسنة 2005م المتضمن
: ما يأتي
ما حكم الخروج الذي تفعله جماعة التبليغ والدعوة ؟ وهل هو بدعة ؟
: الـجـــواب
أمانة الفتوى
(الشيخ علي جمعة رئيس امانة الفتوى)
هذا الخروج أمر جائز لمن كان أهلاً للدعوة إلى الله ملتزمًا بالرفق مع الناس ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وحسن التلطف معهم والرحمة بهم عالمًا بما يأمر وما ينهى ، بشرط أن لا يُضَيِّعَ أهله ومن يعول . وتحديد الخروج بأربعة أيام أو أربعين يومًا أو غير ذلك هو أمر تنظيمي ترتيبي محض لا علاقة له بقضية البدعة ما لم يعتقد أصحابه غير ذلك . والله سبحانه وتعالى أعلم
المصدر اضغط هنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
وهذه الفتوى الآخرى لشيخنا الدكتور علي جمعة حفظه الله
الموضوع جماعة التبليغ، ومؤسسها الشيخ محمد إلياس
الســــؤال
:اطلعنا على الطلب المقيد برقم: 176 لسنة 2007م المتضمن
ما رأيكم في جماعة التبليغ التي أسسها الشيخ محمد إلياس، حيث إنه كتب في خطاب أرسله لأعضاء جماعته
"إذا لم يُرِد الله أن يقوم أحد بعمل فلا يمكن حتى للأنبياء أن يبذلوا جهدهم فيقوموا به، وإذا أراد الله أن يقوم الضعفاء أمثالكم بالعمل الذي لم يستطع أن يقوم به الأنبياء فإنه يفعل ".ذلك، فعليكم أن تقوموا بما يطلب منكم ولا تنظروا إلى ضعفكم
وكتب في مكتوب آخر: "عندنا بشارات ووعد الصدق لأهل الزمان الأخير أن أجر الواحد منهم مثل أجر خمسين من الصحابة".
فهل يكون بذلك قد أخطأ في حق الله تعالى في مسألة اصطفاء الرسل؛ حيث يكون الله قد أرسل رسلا ليسوا أهلا للرسالة، فالله تعالى يقول: {الله أعلم حيث يجعل رسالته}، ويقول سبحانه: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس}؟ وإن كانوا أهلا للرسالة ولم يرد الله تعالى أن يقوموا بالعمل الموكل إليهم فهذا نقص في الإرادة والمشيئة، فالشيخ محمد إلياس يريد أن تقوم جماعته بما لم تستطعه الرسل، وهذا توهين لحق الرسل عليهم الصلاة والسلام وفي حق مرسلهم سبحانه وتعالى! وكذلك المكتوب الثاني فيه توهين لحق الرسل، وإهانة لهم عليهم الصلاة والسلام، وهذا يخالف عقائد المسلمين فيهم.
فما رأيكم في ذلك؟
: الـجـــواب
أمانة الفتوى
يجب على طلبة العلم أن يَنأَوا بأنفسهم عن مناهج التكفير وتيارات التبديع والتفسيق والتضليل التي انتشرت بين المتعالِمِين في هذا الزمان، وأن يلتزموا بأدب الخلاف مع إخوانهم، وألا يجعلوا مثل هذه الخلافات تُكَأَةً لرمي مخالفيهم مِن المسلمين بالمُرُوق مِن الدين؛ فإن هذا مِن الفجور في الخصومة الذي جعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن خصال المنافقين حيث يقول
«أَربَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنافِقًا خالِصًا، ومَن كانت فيه خَصلةٌ منهنّ كانت فيه خَصلةٌ مِنَ النِّفاقِ حتى يَدَعَها: إذا اؤتُمِنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا عاهَدَ غَدَرَ، وإذا خاصَمَ فَجَرَ»
.متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
وهناك فارق بين أن يخالف مسلمٌ أخاه في وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى -وهذا أمر مُتَصَوَّرٌ مقبول يقتضيه اختلاف طبائع البشر- وبين أن يدعوه هذا الاختلاف إلى التنازع وتَصَيُّدِ الأخطاء لرميه بالفسق والخروج عن سبيل الله، بل والكفر أحيانًا -كما ابتلي به كثير من طوائف المسلمين في هذا العصر، وهو أمر نهى عنه ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: {ولا تَنازَعُوا فتَفشَلُوا وتَذهَبَ رِيحُكم} [الأنفال:46]،
وتوعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَن يرمي أخاه بالكفر بقوله:
«لا يَرمِي رَجُلٌ رَجُلا بالفِسقِ ولا يَرمِيه بالكُفر إلاّ ارتَدَّت عليه إن لم يَكُن صاحِبُه كذلكَ»
ِ
رواه البخاري من حديث أبي ذَرّ رضي الله عنه
وبقوله عليه الصلاة والسلام:
«إذا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخاه فقد باءَ بها أَحَدُهما»
.رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
والأصل في الأقوال والأفعال التي تصدر من المسلم أن تُحمَل على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد، ولا يجوز أن نبادر برميه بالكفر أو الشرك؛ فإن إسلامه قرينة قوية توجب علينا ألا نحمل أفعاله على ما يقتضي الكفرَ، وتلك قاعدة عامة ينبغي على المسلمين تطبيقُها في كل الأفعال التي تصدر من إخوانهم المسلمين
وقد عبر الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى عن ذلك
"مَن صدر عنه ما يحتمل الكفرَ مِن تسعة وتسعين وجهًا ويحتمل الإيمان مِن وجه حُمِل أمره على الإيمان"
فالمسلم يعتقد أن المسيح عليه السلام يحيي الموتى ولكن بإذن الله، وهو غير قادر على ذلك بنفسه وإنما بقوة الله وحوله، والنصراني يعتقد أنه يحيي الموتى، ولكنه يعتقد أن ذلك بقوة ذاتية، وأنه هو الله، أو ابن الله، أو أحد أقانيم الإله كما يعتقدون. وعلى هذا فإذا سمعنا مسلمًا موحدًا يقول
"أنا أعتقد أن المسيح يحيي الموتى" –ونفس تلك المقولة قالها آخر مسيحي– فلا ينبغي أن نظن أن المسلم تنصر بهذه الكلمة، بل نحملها على المعنى اللائق بانتسابه للإسلام ولعقيدة التوحيد. والمسلم يعتقد أيضًا أن العبادة لا يجوز صرفها إلا لله وحده، والمشرك يعتقد جواز صرفها لغير الله تعالى، فإذا رأينا مسلمًا صدر منه لغير الله ما يحتمل العبادةَ وغيرها وجب حمل فعلِه على ما يناسب اعتقادَه كمسلم؛ لأن مَن ثبت له عَقدُ الإسلامِ بيقينٍ لم يَزُل عنه بالشك والاحتمال
.
هذا بالنسبة لعامة المسلمين، فكيف بمَن شُهِد له بصحة العقيدة، بل وبالسابقة والفضل في الدعوة إلى الله تعالى وحمل همّ الإسلام، وحثّ المسلمين على العودة إلى التمسك بدينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وآله ! وسلم
والكلام المنقول في السؤال عن الشيخ محمد إلياس مِن هذا القبيل، فأما ما نُقِل عنه مِن قوله
:
"إذا لم يُرِد الله أن يقوم أحد بعمل فلا يمكن حتى للأنبياء أن يبذلوا جهدهم فيقوموا به"
فهو كلام متفق مع العقيدة الإسلامية التي تؤكد أنه لا يكون في كَون اللهِ تعالى إلا ما يريد، كما قال تعالى
{وما تَشاءُونَ إلاّ أَن يَشاءَ اللهُ إنَّ اللهَ كان عَلِيمًا حَكِيمًا}
(30:الإِنسان)
وما نقله عنه بعد ذلك من قوله
:
"وإذا أراد الله أن يقوم الضعفاء أمثالكم بالعمل الذي لم يستطع أن يقوم به الأنبياء فإنه يفعل ذلك، فعليكم أن تقوموا بما يطلب منكم ولا تنظروا إلى ضعفكم"
فهذا الكلام محمول على الإمكان العقلي الذي يدخل تحت القدرة الإلهية، لا على الوقوع السمعي، ولو سُـلِّم الوقوع فلا يستلزم أن فاعله خير من الأنبياء؛ لأن المزية لا تستلزم الأفضلية، فجهاد الصحابة مثلا مع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مزية لم يُؤتَها الأنبياءُ قبل النبي محمد صلى الله تعالى عليه وعليهم وسلم ومع ذلك فالأنبياء أفضل من الصحابة، ولم يقل الشيخ المنقول عنه هذا الكلام إن الذي يفعل ما أُذِن له فيه ولم يُؤذَن للأنبياء فيه هو أفضل منهم، فكيف يُحمَّل كلامُه ما لا يحتمله من أنَّ فيه انتقاصًا للرسل وأنه بذلك قد أخطأ في حق الله تعالى في مسألة اصطفاء الرسل؛ حيث يكون الله قد أرسل رسلا ليسوا أهلا للرسالة، وإن كانوا أهلاً للرسالة ولم يرد الله تعالى أن يقوموا بالعمل الموكل إليهم فهذا نقص في الإرادة والمشيئة!.. إلى آخر هذا الكلام العابث الذي لا يقبله عقلٌ ولا يدل عليه نقلٌ، وهذا الكلام مردود مِن
:وجوه
1-
أن صاحب النقل لم يقل إن العمل الذي لم يأذن الله للأنبياء في القيام به .هو العمل الموكل إليهم حتى يُتوَرَّك عليه بأن في ذلك انتقاصًا للرسل
-2
أنه حتى لو كان الأمر كذلك وكان العمل الذي لم يأذن الله للأنبياء بفعله هو العمل الذي وكله إليهم فإن ذلك لا يقتضي نقصًا في الإرادة والمشيئة ولا انتقاصًا للأنبياء عليهم السلام؛ فإن هناك فارقًا بين المشيئة الكونية والإرادة الشرعية، فقد يأمر الله تعالى بالشيء شرعًا ولا يشاء وقوعه كونًا لحكمة يعلمها سبحانه، فقد أمر آدم عليه السلام أن لا يأكل من الشجرة فأكل منها، وأمر إبراهيم عليه السلام أن يذبح ولده ولم يشأ وقوع ذلك كونًا. وعدم التفريق بين الإرادتين الشرعية والكونية هو قول المعتزلة، وهو قول مبتدَعٌ مخالف للكتاب والسنة النبوية الشريفة وإجماع سلف الأُمّة الصالح.
3-
ثم إن الله تعالى لا يجب عليه شيء، بل هو سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يجوز لأحد أن يحكم على الله في خلقه بأن الأنبياء إذا لم يفعلوا أمرًا فإن الله تعالى لا يوفق أحدًا لِفعله، مع كونه لا يستلزم محالاً .عقليًّا ولا شرعيًّا
4-
أما اتهام الرسل عليهم السلام بأنهم ليسوا أهلاً للرسالة بسبب عدم فعلهم لبعض ما أمروا به فهذا فيه سوء أدب وقلة حياء معهم عليهم السلام؛ فإن المحققين من العلماء على أن ذلك منهم ليس معصية أصلاً، .بل هم إما معذورون في ذلك أو أن الأمر بالنسبة لهم لم يكن أمر إيجاب
وأما ما نقل عنه من قوله أيضًا: "عندنا بشارات ووعد الصدق لأهل الزمان الأخير أن أجر الواحد منهم مثل أجر خمسين من الصحابة" فهو موافق لِكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح؛
فعن أَبي أُمَيّةَ الشَّعبانِيِّ قالَ: أَتَيتُ أَبا ثَعلَبةَ الخُشَنِىَّ رضي الله عنه فقُلتُ لَه: كيف تَصنَعُ في هذه الآيةِ؟ قالَ: أَيّةُ آيةٍ؟ قُلتُ: قَولُه تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا عليكم أَنفُسَكم لا يَضُرُّكم مَن ضَلَّ إذا اهتَدَيْتم}
105 :المائدة)
قالَ: أَمَا واللهِ لقد سَألْتَ عنها خبِيرًا؛ سَألْتُ عنها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فقالَ
«بلِ ائتَمِرُوا بالمَعرُوفِ وتَناهَوا عنِ المُنكَرِ، حتى إذا رَأَيتَ شُحًّا مُطاعًا، وهَوًى مُتَّبَعًا، ودُنيا مُؤثَرةً، وإعجابَ كُلِّ ذِي رَأيٍ برَأيِه، فعليكَ بِخاصّةِ نَفسِكَ ودَعِ العَوامَّ؛ فإنَّ مِن ورائكم أَيّامًا الصَّبرُ فيهنّ مِثلُ القَبضِ على الجَمرِ، للعامِلِ فيهنّ مِثلُ أَجرِ خَمسِينَ رَجُلاً يَعمَلُونَ مِثلَ عَمَلِكم» قِيلَ: يا رسولَ اللهِ، أَجرُ خَمسِينَ رَجُلاً مِنّا أو منهم؟ قالَ: «لا، بل أَجرُ خَمسِينَ منكم»
رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه وابنُ ماجه وصححه ابن حبان، وله طرق أخرى كثيرة
.
فكيف يُتَّهَم هذا الكلام الموافق لكلام النبوة بأن فيه توهينًا لحق الرسل وإهانةً لهم وأنه يخالف عقائد المسلمين! فلينظر المسلم كيف يصنع حب التنازع بأهله حتى يوصلهم إلى إنكار كلام المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مِن غير علم ولا وعي!
ومما لا شك فيه أن زيادة الأجر لا تستلزم الأفضلية المطلقة؛ فإن للصحبة فضيلة لا يوازيها شيء من الفضائل والأعمال، والمفاضلة بين أجور الأعمال -كما قال العلماء- إنما هو بالنظر إلى الأعمال المتساوية في النوع، أما الصحبة فلا مساويَ لها في الفضل والمنزلة والرتبة، والمزية لا .تستلزم الأفضلية كما سبق تقريره
فعلى المسلمين أن يتقوا الله تعالى في إخوانهم، وألاّ يدفعهم خلافُ التنوع إلى التنازع والتراشق بالكفر والفسوق والعصيان، ولا يجوز للمسلم أن يشغل نفسه بتتبع عورات إخوانه وتصيد أخطائهم، فيكون جهادٌ في غير وَغًى، ويكون ذلك سببًا في تفريق الصفوف وبعثرة الجهود، ويشغلنا عن .بناء مجتمعاتنا ووحدة أمتنا
وقد روى الترمذي وحسّنه عَن عبد الله بنِ عمرَ رضي الله عنهما قالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم المِنبَرَ فنادى بصَوتٍ رَفِيعٍ فقالَ:
«يا مَعشَرَ مَن قد أَسلَمَ بلِسانِه ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قَلبِه! لا تُؤذُوا المُسلِمِينَ ولا تُعَيِّرُوهم ولا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهم؛ فإنَّه مَن تَتَبَّعَ عَورةَ أَخِيه المُسلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَه، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَه يَفضَحه ولو في جَوفِ رَحلِه
نسأل الله تعالى أن يجمع قلوب المسلمين على الكتاب والسنة وحسن التفهم للدين ومعرفة مراد الله تعالى من خلقه. آمين
.
رحم الله شيخنا محمد الياس
No comments:
Post a Comment